أقام منتدى فيض للثقافة والفكر ندوته الفكرية الرابعة عشرة بعنوان (الحضارة المعاصرة سؤال في الخارج عن أسر الموروث) بمشاركة الباحث الاكاديمي الدكتور جاسم السدر وأدار الندوة الدكتور محمد الواضح .

   استهل الدكتور محمد الواضح حديثه بقوله :

   فيض تبحث في الإنسان، الإنسان المعاصر الصانع لحضارته لا المرتهن إلى أسر التراث الذي لايشكل له غير نشوة التباهي والاغترار ساعةَ لايكون له فضل الامتداد والمغايرة والاختلاف والبصمة، فحين يشخص سؤال في الحضارة الخارجة عن أسر الموروث تحضر فرضية أو مقولة لك أن تجعلها مادة للحوار والنقاش والتأويل على إطلاقها، وهي: الحضارة القديمة والمعاصرة وفرضية “ماتركت الأولى للثانية” ولك أن تقول هنا باستفاهمية ما ونفيها، فلو سلمنا بدلالة استفهاميتها في لحاظ المنجز والتأصيل والإضافة: هل يمكن أن نرى ملامح واضحة لصناعة هوية أو مشروع حضاري معاصر؟، وما أبرز سماته وعناصره وأسسه؟ وهل فعلا يمتلك العالم الحديث أو المعاصر مقومات بناء الحضارة الجديدة؟

وقد اخترنا موضوع الحضارة المعاصرة لنواكب ما يشهده العالم الان كي لا نبتعد وننزوي عن الواقع الحالي وما يشهده من تقدم للحضارات في العالم .

كتب الكثير عن الحضارة المعاصرة يقول الفيلسوف والمفكر الجزائري (مالك بن نبي) ان ميلاد أي حضارة او نشوؤها يتوقف على ثلاث عناصر اساسية ورئيسة (الانسان,التراث,الوقت)

هذه التركيبة تنتج لنا حضارة مستقبلية .

ثم يضيف مالك بن نبي عنصر رابع يربط فيه هذه العناصر الثلاث ألا وهو الدين حيث يعتقد المفكر مالك بن نبي ان منشأ الحضارات بالاصل ديني حيث ينظر الى الحضارة الاوربية على ان منشأها من الدين المسيحي والحضارة العربية من الدين الاسلامي وغيرهما كثير .

ويشير الدكتور محمد الواضح الى استنتاج غاية في الاهمية من استنتاجات مالك بن نبي حيث يقول ان الحضارة نتاج المجتمعات المتماسكة التي تؤمن بوشائج وارتباط عالي بين افرادها ويقول مالك بن نبي متى ما وجد مجتمع قوي متماسك وجدنا حضارة راقية وبخلافة يعتقد ان ان التفكك الاجتماعي يخلق عوامل الانهيار لأي حضارة وانحدارها.

 

بعد هذه الكلمة للدكتور محمد الواضح آل الحديث للباحث الاكاديمي الدكتور جاسم السدر حيث قال بعد ان حيا الحضور والقائمين على منتدى فيض :- سأتناول على عجالة الحضارة في الفكرين الغربي والعربي.

وانطلق من عدة اسألة منها

كيف تعامل العرب مع الحضارة المعاصرة؟

كيف تعامل اليابانيون مع الحضارة الغربية؟

ماذا نأخذ من الحضارة المعاصرة وماذا نترك وكيف؟

ما هو سبيلنا للأقلاع الحضاري؟

ما هي عناصر الحضارة؟

وغيرها العديد من التساؤلات عن المشروع الحضاري وهل لدينا نحن العرب مشروع يلوح في الافق ؟

تحدث عن كيفية تعامل الشعوب مع الحضارة الغربية وأخذ مثالاً الشعب الياباني يقول ان اليابانيون تعاملوا بطريقة التلميذ الذكي مع الاستاذ حتى تغلب هذا التلميذ على الاستاذ في النهاية .

أما العرب تعاملوا مع الحضارة الغربية معاملة الزبون مع البائع.

ويذكر الباحث قصة احد الطلاب اليابانيون أرسل الى المانيا لدراسة الميكانيك والحصول على شهادة الدكتوراء في هذا المجال لكنه لم يرجع الى بلادة بالشهادة بل عاد وهو يحمل نواة لمعمل صناعة المحركات بعد عناء طويل وحين سئل عن الشهادة قال ان اليابان بحاجة الى صناعة المحركات لكي نواكب التطور الاقتصادي والعمراني في العالم وليست بحاجة الى شهادة الدكتوراء. وهذا يعبر عن وعي هذا الطالب

ويشر الباحث الى ان اليابانيون اخذوا ما هو مفيد من الحضارة الغربية وحافظوا على الموروث في نفس الوقت.

ثم ذهب الباحث الى تعريف الحضارة لغةً

الحضارة:- هي الحضور الذي يعني نقيض المغيب بالمعنى اللغوي وماذا يعني من مدلولات

اولاً:- مواكبة المتغيرات والتحولان على الاصعدة المختلفة .

ثانياً:-القدرة على الحضور ، وهذه القدرة هي التطوير المستديم والتجديد المتواصل حتى يمكن للمجتمع ان يكون له حضور في كل ظرف ومرحلة وعصر.

– ثالثاً:-الحضور بمعنى الانفتاح والتواصل والتفاعل، الحضارات لاتبنى في ظروف الانغلاق أو الجمود أو الانكماش .

– الحضور بمعنى المسؤولية وتحملها على مستوى العصر ومتطلباته .رابعاً:-

– الحضور بمعنى المشاركة والتعاون في كل مايتطلبه العصر من قضايا وأحداث ومواقف وتطورات

ثم تطرق الباحث الى ابرز تعاريف المفكرين الذين اختصوا في مباحث الحضارة مثل ديورانت مؤلف كتاب قصة الحضارة

يقول انها نظام اجتماعي يعين الانسان على الزيادة من انتاجه الثقافي ويتألف هذا النظام من عناصر اربعة هي الاقتصاد والسياسة والتقاليد والفنون واخيراً تبدأ الحضارة حين يبدأ الاضطراب والقلق.

ادوارد تايلور أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة أكسفورد عرف الحضارة بأنها : ( هي ذلك الكل المعقد الذي يشتمل على المعارف والمعتقدات والفنون والأخلاق والقوانين والتقاليد والفلسفة

صموئيل هنتنجتون في كتابه صدام الحضارات عرفها (هي مجمل أسلوب الحياة لشعب ما) .

مالك بن نبي يعرف الحضارة هي القدرة على القيام بوظيفة أو مهمة معينة، وأنها جملة العوامل المعنوية والمادية التي تتيح لمجتمع ما أن يوفّر لكل أعضائه جميع الضمانات الاجتماعية اللازمة لتقدّمه

إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارية، ولا يمكن لشعب أن يفهم مشكلته ما لم يرتفع بفكره إلى مستوى الأحداث الإنسانية وما لم يتعمّق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها.

معادلة صناعة الحضارة :

الإنسان التراب الوقت = حضارة.

لأن بناء الحضارة لا يتم عن طريق الصدفة، بل يتطلّب نظرة منهجية تعتمد على التحليل ومعرفة عوامل البناء.

وتحديد الطرق المؤدية إلى الهدف المنشود وهو تحريك الواقع المعاصر، حتى يتخلّص من رواسبه ومعوقاته وينطلق بإرادة وفاعلية نحو استعادة مكانته في التاريخ والحياة وفق شروط معيّنة.

ولا ريب أن مشكلة الإنسان تأتي في المقام الأول، إذ أنه هو الذي يوجّه الأشياء ويبني الحضارة، ولكن الإنسان الذي يستطيع أن يصنع الحضارة هو الكائن الاجتماعي الفعّال الذي يتحرك ويسعى، والمقصود بالتراب هو المعطيات المادية التي يجب أن تستغل جيداً لصالح المجتمع، أما الوقت فهو الزمن الذي يتم تكييفه بحيث يصبح زمناً اجتماعياً.

الحضارة لاتتم عبر تكديس لمنتجات حضارة أخرى ، بل علينا أن ندرس أولاً الجهاز الاجتماعي الأول وهو الإنسان فإذا تحرّك الإنسان تحرّك المجتمع والتاريخ وإذا سكن، سكن المجتمع والتاريخ

الطريق إلى الحضارة.

هو قبل كل شيء طريق الفكر الذي يحدّد الوسائل ونتائجها في مدة معلومة بحيث يرى السائر ما سوف تنتهي إليه الطريق قبل أن يخطو فيها خطوة واحدة. وعن أهمية الأفكار يقول مالك ابن نبي (لا يقاس غنى المجتمع بكمية ما يملك من أشياء بل بمقدار ما فيه من أفكار، ولقد يحدث أن تلم بالمجتمع ظروف أليمة كأن يحدث فيضان أو تقع حرب فتمحو منه عالم الأشياء محواً كاملاً أو تفقده إلى حين ميزة السيطرة على عالم الأفكار وهنا يكون الخراب ماحقاً. أما إذا استطاع أن ينقذ أفكاره فإنه يكون قد أنقذ كل شيء، إذ أنه يستطيع أن يُعيد بناء عالم الأشياء)..

ومقياس الحضارة عند ابن نبي أن الحضارة هي التي تلد منتجاتها وليس العكس.

ثم اكمل الدكتور جاسم السدر حديثه

كيف نصل إلى صياغة المشروع الحضاري المعاصر؟

نحتاح المتطلبات الآتية:

– تحديد الموقف المعرفي من التراث ، هنا نحتاج منهجية معرفية جديدة قوامها النقد والفحص في قراءة تراثنا لمعرفة الجوانب الحية من الجوانب الميتة ، كل نهضة حضارية انما تنطلق من رؤية سليمة لتراثها.

– تحديد الموقف المعرفي من الغرب ، أيضا نحتاج الى منهجية علمية في قراءة الغرب ودراسته حضاريا .

– الحفر في بنية التخلف.

– تطوير مناهج واساليب التربية والتعليم ، المدرسة بوابة الحضارة.

 

إنني أفتح نوافذي للشمس والريح، ولكنني أتحدى أية ريح أن تقتلعني من جذوري”.

غاندي.

وبعد ان انهى الدكتور جاسم حديثه فسح المجال للمداخلات من الحضور ومنهم السيد علي البغدادي والسيد مهدي المولى والدكتور فالح القريشي وغيرهم.

Comments are disabled.